bayane al jounoune

بيان الجنون
انها لحظات مهمة و حاسمة. مررت هده الايام بلحظلت قاسية وغير عادية بشكل مؤلم جدا. انها لحظات اختلط فيها كل شيء الى درجة الجنون, جنون اجزم انه في لحظات كثيرة بلغته و لامسته.
لو كانت قد اختلطت خلالها افكار بسيطة عن الماكل و المشرب و الدراسة و الممتلكات لكان الامر بسيطا. لكن اختلطت الجوهريات و السواري التي تدعم البنيان: العائلة و الاخوة و الفكر و الدين و التاريخ...
صحيح ان الاشياء مرت بسرعة كبيرة ومهولة, و لم اكد اسطيع استيعاب ملايير القرارات و الافكار التي اخترقت دماغي.
لكن ما اعيبه عن نفسي بعد كل هدا: هو حيادي في احيان كثيرة عن منطق العقل و خضوعي لتأثير الشعودة و تصديق امكانية ان تكون حلا. شيء طبيعي فقد رايت بعيني قرار خبير هو طبيب النفس. قرار سريع: ان يكون الحل هو سم يشفي في العروق. اختيار قريب و سهل, و الحل القريب غبي و مآله الفشل. علمتنيها الايام القاسية. كان آخده يصرخ و يتألم بشكل محطم, هدا أيظا شيء طبيعي فهو ايظا طبيب يعرف السم من الترياق. قررت في لحظة يأس مميتة ان ادوق السم هدا كي انام -فلم يجافيني النوم لأيام- فشعرت حينها بألمه و بألم كل من يتداوى و كل من انساق وراء طبيب مريض ينافق بالشفاء بنظرة مشخصة عجيبة.
لقد نظر طبيبي الى طبيبهم و قال له: (انت مريض يا صديقي فالاحرى ان تشفي نفسك قبل ان يفوت الاوان) . طبيبهم المسكين عيناه غائرتان من كثرة الشم و الشرب و النفت. طبيعي ايظا: استشعر كل ما خفي عنا. بفطرة, بعلم لا أعلم لكن استشعر شيئا غريبا لم يعيه و لم يفهمه. و كعادة كل من استشعر التفاهة وسط قوم جهل, جعل أحمقا و مجنونا, و صدق حتى من يقال له واعيا مثلي.
قررت أخيرا ان أقفز عن كل هدا و أن أسمع الارض تدوي بمعانات الناس من يأكل منهم و الجائع. و ان اوزع ما أريد للطبيب ان يتحمله عنا و ان يتحمله كل الناس, المتهمين. أخدت جزئي و حقي من التلفاز و صدقت سفارة الاندار فتحررت تونس بعد يومين و علمت أن القوة بالأفكار و التاريخ و الداكرة و المنطق. أعطيت البعض للوالد الجبار فكسرته و أعطيت شيئا للوالدة الهشة فتقوت و بقي الكل مترددا لا يصدق و يكابر.
تأملت وجوه الناس مطولا حتى تشربت معاناتهم العميقة و المترددة و صدمت أن أكتشف أن معاناة الناس في قلبي قد أراحتني و أبهجتني رغم وزنها الهائل يجتث فوقه.
لست نبيا و لا حكيما كي أفعل كل الاشياء وحدي كان خيال الناس و دكرياتهم المصدر و منبع قراراتي و كانت قلوبهم التي استشعرت دقاتها معي في كل لحظة تساندني. و تقول ادا سقطت سقطنا و ادا سقط الطبيب سقط كل شيء.
قفزت قفزة واحدة بكل ما تبقي لي من قوة بعد اسبوع من عدم النوم -ثورة مؤمن- و رميت الدواء السم و أحرقت وريقات الفقيه و قلت للطبيب أنت المحق و انا اليك فقم و ثر و اصبر و تحمل و ساوي بين العقل و الجنون, و الموت و الحياة و كل ما لا يلتقي و تشبت بالحلم و الكابوس.
صدقت فطرته كما صدقت فطرتي فقام بوقفة واثقة و نفس عميق. الطبيب لم يكن له بديل قشة أخيرة منطقية. قفزنا عليها فاكتشفنا أنها ليست قشة بل قاربا كبيرا. امتطيناه بسرعة, بعد بعد أن شكرت كل كتاب قرأته و كل فيلم شاهدته و شكرت بقلب واثق المصطفى بوعيد الجزائري المجاهد و قدنا القارب بجهد لا يمكن تخيله و وصلنا به لبر الامان لوحدنا و دون أي محرك غير سواعد أفكارنا المجهدة و لم أبكي قط.
بعد اليوم لن أثق الا العقل و الايمان, بعد الان سأسخر بكل قوايا حتى تصل اللحظة و سأقوم كما سيقوم الكل, و سأقرأ.